المرأة ... هي الشمس ضياءً وهي القمر حسناً وهي النجم تلألأً وهي الغصن ليناً وهي النسيم رقةً ... إن ابتسمت فثناياها شعاعٌ سطع في الغيم.. وإن خجلت فخدودها ورودٌ محمرة .. وإن نظرت فنظرتها سهمٌ قاتل يخترق القلب فيمزقه و... و... وغيرها من تشبيهات للشعراء كثيرة ولامجال لحصرها هنا ، فكل مايعنيننا هو الإرتباط الوثيق بين المرأة وظهور الشعر ، ولاأبالغ إن قلت لولاها مانظم الشعراء الشعر ولاقالوا القصائد ، وإن كان هذا القول مجرد رؤيةٍ شخصية ووجهة نظر لاأكثر ولاأقل ، إلاّ أني أستند لبعض الأدلة التي تدعم وجهة نظري هذه ،،، تعالوا معي إلى بداية نشأة الشعر وظهوره منذ الوهلة الأولى بغض النظر عما طرأ على الشعر بعد ذلك من تطور في الشكل والمضمون إلا أننا نجد بروز المرأة في القصائد الشعرية منذ الإنطلاقة الأولى ، وإذا كان الباحثون قد أكدوا أنه لم يصلنا شيء من الشعر في نشأته الأولى ، ومستويات كثيرة سبقت ماوصلنا من شعر رفيع لقرن ونصف قبل الإسلام ، جُلّه لايخلو من مقدمةٍ طلليةٍ غزلية هو ما رسخ إعتقادي أنَّ أول ماقيل من الشعر قد يكون في المرأة ،، لا أستبعدها أن تكون قصائد مستقلة ربما تلاشت شيئاً فشيئاً مع مظاهر الحياة الإجتماعية والطبيعية والسياسية إلى أن أصبحت بضع أبيات في بداية قصيدة متعددة الأغراض ، ولما لا يكون تسلسل تلك الأغراض في القصيدة الواحدة دليلاً لتسلسلها زمنياً ؟! لو صح هذا ، يعني أن المرأة كانت أول غرض شعري يقال ،،، وافتراضا" أن ماقلته آنفا" لم يكن صائبا" فما الدافع لامرئ القيس أن يبتدأ معلقته بمحبوبته تلك سوى أنها شكلت جزء" مهما" في حياته وعاطفة" عاش معها ولها ، وامتزجت أفكاره بها ، لترحل وقد جعلت منه شاعرا" وتركت أثرها في وجدانه ، لتعود إلى مخيلته كلما نظم شعرا" في وصف جواد أوغيره كما هو حال معلقته إذ تبرز تلك الإنسانة في مطلعها حين يقول :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
كأني غداة البين يوم تحملوا
لدى سمرات الحي ناقف حنضل .
وكما تركت محبوبة إمرئ القيس أثرها في حياته الشعرية فقد تركت أخريات آثارهن في شعراء آخرين ، فهذا عنترة بن شداد يعود من أرض المعركة ويدخل الديار التي خصها بديار عبلة ابنة عمه بادئا" معلقته بها مخبرا" عن شجاعته وإقدامه وكأنه لايعنيه شيء سوى عبلة فيقول:
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
يادار عبلة بالجواء تكلمي
وعمي صباحا" دار عبلة واسلمي .
ومايبعث على الدهشة والإستغراب أن يصل حد تأثير المرأة وسيطرتها على تفكير الشاعر حتى وسط المعركة حين نرى عنترة يقاتل الأعداء وهو يتخيلها ويرى لمعان وبريق السيوف كبريق ثغرها حين تبتسم فيقول:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم .
ولاتجد قصيدة شعرية ولامعلقة لأولئك الشعراء الا ومطلعها مرأة ، إمابكاء عليها أوتغزلا" فيها ،، حتى في العصر الإسلامي ظلت المرأة تهيمن على أفكار الشعراء وتتصدر مطلع قصائدهم دون حرج ، ولم يمنع الإسلام ذاك السلوك أو يكبح تلك المشاعر المتمثلة في المقدمات الطللية ، وكأنه قد راعى نفوس الشعراء الذين أصبحت المرأة عنصرا" مهما" في أدبهم ، فهاهو كعب بن زهير يأتي معتذرا" لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول بين يديه:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يفد مكبول
وماسعاد غداة البين إذ رحلوا
إلاأغن غضيض الطرف محول .
ويعجب رسول الله بهذه القصيدة ويصل حد الإعجاب أن يهدي بردته جائزة لكعب ،،، وتستمر المرأة في خيال الشعراء حتى اليوم وإن أصبحت غرضا" مستقلا" بحد ذاته ، إلا أنها الباعث الحقيقي لقول الشعر ...
أخيرا" إذا كانت المرأة ضعيفة وعيونها قاتلة عند جرير حين قال:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذي اللب حتى لا حراك له
وهن أضعف خلق الله إنسانا .
إلا أنني أجدها قوية قد أحيت أدبا" رائعا" نتذوقه حتى اللحظة .
كاتب الموضوع / عبدالسلام مرشد علي المعجلي