إن الهجرة المباركة كانت درساً في الصبر والتوكل على الله تعالى ولم تكن طلبا للراحة ولاهرباً من العدو ولاتهرباً من الدعوة وأعبائها بل كانت بأمر من الله تعالى في وقت أشد ماتكون البشرية في ذلك الزمن إلى الهدي المحمدي فلقد أرسل الله خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن صار الكثير من الناس في ظلمات الشرك والجهل والكفر، فأرسل الله عبده محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً، قال الله تعالى: قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَأمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىّ ٱلأمّيّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
جاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والإستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، ويدعوهم إلى التحاكم إلى الكتاب العزيز، لا إلى الكهان وأمر الجاهلية، وكسب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة والمباحة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة الله سواء، يتفاضلون بالتقوى، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .[النحل:90].
فكانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نصراً للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر المشركين وكيدهم في تقديرهم القضاء على الإسلام بمكة، وظنهم القدرة على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].
إن حادثة هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، يتزود فيها للسفر، ويركب الناقة، ويستأجر الدليل، ولو شاء الله لحمله على البراق، ولكن لتقتدي به أمته بالصبر والتحمل لمشقاة الدنيا والعمل الدؤب للأخرة التى هي العقبى، فينصر المسلم دينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن حال المسلمين في العالم حريَ بالاستفادة من معاني الهجرة النبوية المباركة، بفهم أمر الدين والفصل بين الدين الحق وأهله وبين المتاجرين المتطرفين المنفرين عن الدين بأساليب وفتاوى ليس لها في الدين من أصل بل تخالف الدين، في ذكرى الهجرة المباركة علينا أن نعلم أن الدين الإسلامي دين علم وعمل وثقافة ومعرفة ودعوةللحق مؤيدة بالبراهين العقلية والنقلية المنورة للقلوب فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بالأمور التي صلح بها السلف الصالح من العلم والمعرفة الصحيحة لدين الله والتحذير من المضللين أصحاب الفتاوى السيئة التى جلبت الويلات للمسلمين، وبالخلق الكريم، والصدق مع الله، والتوكل عليه، والصبر على المكاره، وإحسان العبادة، على وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" نسأل الله تعالى أن تكون هذه السنة الهجرية بركة وخيرأ يعم البلاد
فكانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نصراً للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر المشركين وكيدهم في تقديرهم القضاء على الإسلام بمكة، وظنهم القدرة على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ
ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].
دروس من الهجرة
1 – درس في الهجرة:
إن الهجرة بالمعنى الشرعي ليست مجرد الانتقال من بلد إلى آخر فحسب، بل هي هجرة عامة عن كل ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يكون الدين كله لله، هجرة من الذنوب والسيئات.. هجرة من الشهوات والشبهات.. هجرة من مجالس المنكرات.. هجرة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
هجرة من التفرق إلى الوحدة، هجرة من الضعف إلى القوة، هجرة من التخاذل إلى التناصر، هجرة من الجبن إلى الاستبسال، هجرة من التبعية إلى الاستقلال، هجرة من مخالفة الله ورسوله إلى طاعة الله ورسوله، هجرة من الذلِّ إلى العزة، هجرة من الاسترقاق إلى الحرية.
هذه هي الهجرة المطلوبة الآن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا هجرة- مكانية- بعد الفتح، ولكن جهاد ونية".
2 – درس في الصبر واليقين:
إن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى، لكن من صبر ظفر.. ومن ثبت انتصر.. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: الآية 21)
3 – درس في التوكل على الله والاعتصام بحبل الله:
فمهما اشتدت الكروب ومهما كثرت الخطوب يبقي المؤمن
وَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمًا *** فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ
4 – درس في الحب:
وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" إن هذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحًا بصحبته صلى الله عليه وسلم... إن هذا الحب هو الذي جعل أبا بكر يقاوم السم وهو يسري في جسده يوم أن لُدِغَ في الغار؛ لأن الحبيب ينام على رجله، إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كلَّ ماله مُؤْثِرًا الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه، إن هذا الحب هو الذي أخرج الأنصار من المدينة كل يوم في أيام حارة ينتظرون قدومه صلى الله عليه وسلم. فأين هذا ممن يخالف أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم ويهجر سنته ثم يزعم أنه يحبه؟!
يَا مُدَّعِي حُبَّ طَهَ لاَ تُخَالِفْهُ *** فَالْخُلْفُ يَحْرُمُ فِي دُنْيَا الْمُحِبِّينَا
5 – درس في التضحية والفداء:
فيوم أن بات عليٌّ رضي الله عنه في فراشه صلى الله عليه وسلم وغطى رأسه؛ كان يعلم أن سيوف الحاقدين تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش، ويوم أن قام آل أبي بكر عبد الله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه الأدوار البطولية؛ كانوا يعلمون أن مجرد اكتشافهم قد يودي بحياتهم، هكذا كان شباب الصحابة.
6 – درس في العبقرية والتخطيط والأخذ بالأسباب:
فالقائد: محمد، والمساعد: أبو بكر، والفدائي: عليٌّ، والتموين: أسماء، والاستخبارات: عبد الله، والتغطية وتعمية العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبد الله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي. وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخرًا.
7 – درس في الإخلاص:
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه ليس أحد أَمَنَّ علي في نفسه وماله من أبي بكر"، فقد كان أبو بكر ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾(الليل: الآية 18) ينفق أمواله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعوة إلى دين الله.
لكن السؤال هنا هو لماذا رفض صلى الله عليه وسلم أخذ الراحلة من أبي بكر إلا بالثمن؟
قال بعض العلماء: إن الهجرة عمل تعبدي؛ فأراد عليه الصلاة والسلام أن يُحَقِّقَ الإخلاص بأن تكون نفقة هجرته خالصة من ماله دون غيره، وهذا معنًى حسن، وهو درس في الإخلاص.
8 – درس في التاريخ الهجري:
التأريخ بالهجرة النبوية مظهر من مظاهر تميز الأمة المسلمة وعزتها، ويعود أصل هذا التأريخ إلى عهد عمر رضي الله عنه، فلما ألهم الله الفاروق الملهم أن للأمة تاريخًا يميزها عن الأمم الكافرة؛ استشار الصحابة في ما يبدأ به التاريخ، أيؤرخون من مولده عليه الصلاة والسلام أم من مبعثه أم من هجرته أم من وفاته؟
وكانت الهجرة أنسب الخيارات، أما مولده وبعثته فمختلف فيهما، وأما وفاته فمدعاة للأسف والحزن عليه، فَهَدَى الله تعالى الصحابة إلى اختيار الهجرة منطلقًا للتاريخ الإسلامي.
9 – درس في الأمانة:
تجلت أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم في استبقائه عليًّا رضي الله عنه في مكة ليؤدي عنه الأمانات إلى أصحابها رغم أساءتهم إليه ولأصحابه رضوان الله عليهم.
10- سلامة التربية النبوية:
فقد دلت الهجرة على ذلك؛ فقد صار الصحابة مؤهلين للاستخلاف وتحكيم شرع الله، والقيام بأمره والجهاد في سبيله.
11- التنبيه على عظم دور المرأة:
ويتجلى ذلك من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما؛ حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة، فلم تخذلا أبيهما أبي بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم تُفْشِيَا سر الرحلة لأحد، ولم تتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزًا كاملاً، إلى غير ذلك مما قَامَتَا به.
12- عِظَمُ دور الشباب في نصرة الحق:
ويتجلى في الدور الذي قام به عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه حين نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، ويتجلى من خلال ما قام به عبد الله بن أبي بكر؛ حيث كان يَتَسمَّع أخبار قريش ويزود بها النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر.